الأربعاء، 23 أكتوبر 2019

المضامين التربوية في سورة الفاتحة

أكاديمية باشاك شهير
للعلوم العربية والإسلامية
كلية  الشريعة
قسم التربية  الإسلامية
حلقة بحث لمادة المضامين التربوية في القرآن والسنة
المضامين التربوية في سورة الفاتحة

إعداد الطالب : محمد عمر العبيد
إشراف الدكتور : ياسر مصطفى الشلبي

المضامين التربوية في سورة الفاتحة


المقدمة :  بسم الله الرحمن الرحيم , وبه نستعين والحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد المرسلين , سيدنا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين .
إنّ سورة الفاتحة صورة صغيرة بحجمها , قليلة بعدد آياتها , ولكنّها كبيرة بمضمونها , غنيّة بمحتواها , عظيمة بمفاهيمها , حتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم إنّها أعظم سورة في القرآن الكريم , وجاءت الأخبار كثيرة في بيان فضلها , وعظيم منزلتها , وعلو قدرها , ويكفينا من ذلك أنّ الخالق سبحانه وتعالى فرض علينا قراءتها بكل ركعة في صلاتنا ؛ أي أنّنا نكررها يوميا في فروض الصلاة فقط سبع عشرة مرة , وأكثر من ذلك في الرواتب , وإلى غير حد لمن أراد أن يقف بين يدي ربه متنفلا , وما هذا إلا لعظيم ما فيها , ولأهمية ماتحتويه , ولكن للأسف حال الكثير منّا اليوم كحال الببغاء , نردد هذه السورة صباح مساء , ولا نفكر بما فيها ولماذا نكررها , وإن أردنا أن نتدبر هذه السورة الكريمة لوجدنا فيها الخير العظيم , والفضل الكثير , فهي أم القرآن , وفاتحة الكتاب , فلماذا لا نقرؤها بعين التدبر والعناية ؟ وبمنظور التربية والرعاية ؟ فنتعلم منها ما يعيننا على التعامل مع أطفالنا وتلامذتنا وكل من هم حولنا ؛ وعلى رأسهم الصغار الذين لهم حق التربية والرعاية والاهتمام .
بناء على ما تقدم ذكره تأتي هذه الدراسة لهذه السورة المباركة دراسة تربوية , لعلنا نستفيد مما فيها من قيم وأساليب وفوائد تعيننا على آداء واجباتنا الحياتية وتنفعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون .



المبحث الأول : تعريف بسورة الفاتحة
المطلب الأول : عدد آياتها
اتفق العلماء على أن عدد آيات سورة الفاتحة سبع آيات , ولكن حصل الاختلاف حول الآية السابعة , فالبعض يعد البسملة هي الآية الأولى ويعد قوله تعالى  "صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" آية واحدة , وهي الآية السابعة , ومن العلماء من لم يعد البسملة من السورة , حيث بدأ الآية السابعة من قوله تعالى " غير المعضوب عليهم ولا الضالين " .
المطلب الثاني : نزول سورة الفاتحة .
إن سورة الفاتحة سورة مكية بقول جمهور العلماء , ويرى البعض أنها مدنية , كما يرى البعض الآخر أنها مكية مدنية , أي نزلت مرة بمكة ومرة بالمدينة   .
المطلب الثالث : سبب نزول سورة الفاتحة
يروى أنّ سبب نزول سورة الفاتحة يعود إلى حادثة وقعت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وورقة بن نوفل , فيقول فيها أبو ميسرة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع مناديا ينادي يا محمد , فإذا سمع الصوت انطلق هاربا , فقال له ورقة بن نوفل : إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك , قال : فلما برز سمع النداء : يا محمد , فقال : لبيك , قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله , ثم قال : قل الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين , حتى فرغ من فاتحة الكتاب
المطلب الرابع : فضل السورة وأهميتها
تأتي سورة الفاتحة على رأس السور التي أشار القرآن الكريم  إلى أهميتها , وعظيم بركتها في قوله تعالى " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " (الحجر87) كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم  إلى ما فيها من المعاني العظيمة والحكم الجليلة عندما وصفها أنها أعظم سورة في كتاب الله , عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: " أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]. ثُمَّ قَالَ لِي: «لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي القُرْآنِ، قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ». ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: «أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ»، قَالَ: {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ}  «هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ»  .
ومن المعروف عند العرب أن كثرة أسماء الشيء تدل على عظمه وأهميته وعلو مكانته , وقد سميت سورة الفاتحة بأسماء كثيرة منها , أم القرآن , وأم الكتاب , والحمد , والسبع المثاني , وسورة الصلاة , وفاتحة الكتاب , والقرآن العظيم , وغيرها الكثير من الأسماء .
المبحث الثاني : تفسير مبسط لسورة الفاتحة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} ، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي - وقال مرة فوض إلي عبدي - فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين}  قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}  قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل"
إن هذا الحديث يبين أن سورة الفاتحة هي حمد لله , وثناء عليه , وتمجيد له , وتفويض إليه , ودعاء واستغاثة به , وفضل من الله سبحانه وتعالى . وليس هذا فقط , بل هي خطاب بين العبد وربه , وما أروع هذا الموقف , ما أروع أن يقف الإنسان يخاطب ربه وربه يجيبه , لقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقرأ الفاتحة آية آية ويسكت بينهما , وحين سئل عن سبب سكوته قال : " لأستمتع برد ربي " .
المبحث الثالث : القيم التربوية في سورة الفاتحة .
المطلب الأول : " بسم الله الرحمن الرحيم " (1)
أولا : القيم التربوية في الآية
1- الابتداء باسم الله .
2- قيمة الرحمة .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : على الإنسان المسلم أن يبدأ كل أمر من أموره باسم الله تعالى ,وأن يعلّم أبناءه وتلامذته أن يبدؤوا كل أمورهم باسم الله تعالى , فتحصل فيه البركة , والبدء باسم الله رادع عن المعصية في القول والعمل , إذ إنّ المسلم ليحس بالخجل من أن يبدأ فعله للمعصية باسم الله .
ثانيا : إنّ من أعظم القيم الإسلامية التي ترشد لها الآية قيمة الرحمة , التي إن نزعت من قلب إنسان خسر الدنيا والآخرة , فمن لا يملك الرحمة تنفر منه الناس كائنا من كان , فقد قال الله تعالى لنبيه الكريم " ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك " , وإنّ الله تعالى ذكر الرحمة أول قيمة في القرآن لأهمية هذه القيمة , فعلى الإنسان المسلم أن يكون رحيما بأهله , رحيما بأبنائه , رحيما بتلامذته , رحيما بجيرانه , رحيما بالمسلمين أجمعين .
المطلب الثاني :  " الحمد لله رب العالمين " (2)
أولا : القيم التربوية المتضمنة في الآية
1- قيمة الحمد
2- قيمة الأدب مع الله .
3- قيمة الطمأنينة .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : نستخلص من هذه الآية الكريمة أنّ لله تعالى علينا حق الحمد ابتداءً وانتهاءً , وعلى هذا الحال وعلى كل حال , وفي كل وقت وحين , وأنّ له علينا حقّ الحمد بقلوبنا , وجوارحنا , وأقوالنا , وأفعالنا . فالحمد لله رب العالمين .
ثانيا : بدأت الآية بالحمد لله أولا ثم جاء السبب بعدها ليجيب عن سؤال , لماذا الحمد لله ؟ ؛ لأنه ربّ العالمين , والربّ هو الذي يتعهد مربوبيه بالرعاية والحفظ والعناية , فالحمد لله ؛ لأنّه رب العالمين , وتقديم الحمد على فعل الله تعالى فيه تأدب مع الله , فنقدم الحمد لله قبل أن ندعوه , ونقدم الحمد قبل أن نطلب أي شيء من الله تعالى , وهذا مظنّة استجابة الدعاء .
ثالثا : إذا كان الله سبحانه هو رب العالمين , رب الأولين والآخرين , ربّ الظالمين والمظلومين , فإن ذلك يورّث راحة في النفس كبيرة , حيث يعلم المظلوم أن الله ربّه , ويعلم المكروب أنّ الله ربّه , ويعلم المريض أنّ الله ربّه , ومن كان الله سبحانه ربّه فلا يحزن ولا يشقى , لأن أمره كلّه خير , إن أصابته سراء شكر , وإن أصابته ضراء صبر فكان خير .
المطلب الثالث : " الرحمن الرحيم " (3)
عندما يتكرر قوله تعالى " الرحمن الرحيم " يدل  ذلك على أهمية الرحمة في حياة المسلم , ويؤكد أنّ الله رحيم , وأنّ رحمته وسعت كل شيء , فلا نقنط من رحمة الله , ولا بد أن يكون المسلم رحيما بكل ما يتعامل معه .
المطلب الرابع : " مالك يوم الدين " (4)
أولا : القيم التربوية المتضمنة في الآية .
1- قيمة العدل .
2- قيمة الرقابة الذاتية .
3- قيمة الإيمان .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : ينبّه الله تعالى في قوله (مالك يوم الدين) إلى عدله سبحانه وتعالى , فقد نرى في الدنيا تسلط الظالمين , وعلو الفاسدين , وقد نرى الظلم والفساد والقهر والعذاب ولا نرى عودة الحقوق لأصحابها , فنحس بضيق في الصدور , ولكن عندما نعلم أن الله تعالى هو مالك يوم الدين , نعرف أنّ في ذلك اليوم يأخذ كل ذي حقٍ حقه ؛ لأنّه حاشا لله أن يظلم عنده أحد , كما تحثنا هذه الآية على إقامة العدل , وعدم الظلم ؛ لأننا راجعون إلى يوم الحساب .
ثانيا : عندما يكرر الإنسان المسلم قول الله تعالى مالك يوم الدين عشرات المرات في اليوم , تتكون عنده قوة داخلية تردعه عن الظلم , وعن الوقوع بالحرام بكافة أشكاله , لخوفه من الله تعالى مالك ذلك اليوم , يوم الحساب والعقاب .
ثالثا : إنّ قيمة الإيمان بالله تعالى من أعظم القيم التي تتضمنها هذه السورة العظيمة , فقول الله تعالى ( الحمد لله رب العالمين – الرحمن الرحيم ) ترشدنا إلى الإيمان بالله تعالى , فهو ربّنا , وهو مدبر أمورنا , وهو راحمنا ورحيمنا , وبيده كل شيء , وقوله تعالى ( مالك يوم الدين ) ترشدنا إلى الإيمان باليوم الآخر , وتنبهنا إلى الاستعداد التام لذلك اليوم العظيم , كما تزرع في نفوسنا الرهبة من عظمة الله تعالى ؛ فإن لم يرحمنا في ذلك اليوم فلا راحم لنا سواه .
المطلب الخامس : "إيّاك نعبد وإيّاك نستعين " (5)
أولا : القيم التربوية في الآية :
1-  قيمة الإخلاص .
2- قيمة التواضع .
3- قيمة التوكل .
4- التوحيد .
5- الهوية والانتماء :
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية :
أولا : نستخلص من قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) أهمية الإخلاص لله في العبادة , والإخلاص له في الاستعانة به على عبادته , فتقدم الضمير إياك على فعل العبادة وفعل الاستعانة يفيد الحصر , أي لا نعبد إلا أنت يا رب , ولا نستعين إلا بك يا كريم , وهذا هو عين الإخلاص.
ثانيا : إنّ الإخلاص في العبادة لله , وطلب الاستعانة من الله وحده , والإقرار بأنّ التوفيق من الله وحده , يورّث في القلب خلقا من أخلاق الأنبياء ألا وهو خلق التواضع , وهو خلق يسعى الإسلام إلى إيجاده وتمثيله في الإنسان المسلم , وهذا ما دلّ عليه قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .
ثالثا : التوكل على الله خصلة من أعظم خصال الإيمان , وعبادة من أفضل العبادات القلبية , ومن أهم مقامات الدين , حيث قال ابن القيم أن التوكل نصف الدين , وقد أشار قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) إلى هذه القيمة العظيمة .
رابعا : إنّ من أهم ما تشير إليه سورة الفاتحة من خلال هذه الآية والآيات التي سبقتها قيمة التوحيد , فقد أشارت السورة إلى توحيد الله سبحانه تعالى بكل أنواعه , فمن خلال قوله تعالى ( الحمد لله رب العالمين ) و ( مالك يوم الدين ) أشارت إلى توحيد الله تعالى بأفعاله , فهو الرب والمالك والمتصرف بكل الخلائق , ومن خلال قوله تعالى ( الرحمن الرحيم ) أشارت إلى توحيد الله بأسمائه وصفاته فهو الرحمن وهو الرحيم , ومن خلال قول تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) تعرفنا الآية على أهم أنواع التوحيد وهو توحيد الله تعالى بأفعال العباد , فعلينا أنّ نوحد الله تعالى بعبادتنا فلا نشرك به شيئا , فلا نعبد إلاّ سواه , ولا نستعين إلا به .
خامسا : إن استخدام صيغة الجمع في قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) والالتجاء إلى الله كي يهدينا صراط الذين أنعم عليهم لا صراط غيرهم , يعزز ذلك من الانتماء للأمة الإسلامة , وينمي الهوية والانتماء للأمة في نفس قارئ تلك الآيات العظام (إياك نعبد  وإياك نستعين ) و ( صراط الذين أنعمت عليهم ) .
المطلب السادس : " اهدنا الصراط المستقيم " (6)
أولا : القيم التربوية في الآية .
1- قيمة الدعاء .
2- قيمة القدوة الحسنة .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : الدعاء طاعة من أجل الطاعات وقربة من أعظم القربات , وله آثار كبرى وفوائد عظيمة , وقد بينت سورة الفاتحة هذا المضمون وأرشدت إليه أتم إرشاد , فنصفها الأول تمجيد وثناء لله واعتراف بألوهيته وربوبيته وهذا دعاء العبادة , و نصفها الآخر دعاء طلب ومسألة . فإن قول الله تبارك وتعالى ( اهدنا الصراط المستقيم ) يؤكد لنا أهمية الدعاء في حياة الإنسان المسلم , فإن لم يوفقنا الله سبحانه إلى طريق الحق فلا هادي لنا سواه , لذلك يتوجب علينا أن نكثر من الدعاء في كل أمر من أمور حياتنا .
ثانيا : من المعلوم لدى الجميع أن التربية بالقدوة هي أساس التربية , وكما يقال حال رجل بألف رجل خير من مقال ألف رجل برجل , فبينت لنا سورة الفاتحة أنواع القدوات ( الحسنة والسيئة ) بقوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) القدوة الحسنة ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) القدوة السيئة , وحثنا على التزام طريق القدوة الحسنة من خلال قوله تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم – صراط الذين أنعمت عليهم – غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
المطلب السابع : " صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " (7)
أولا : القيم التربوية في الآية .
1- قيمة العلم وأهمية العمل بالعلم .
2- قيمة الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : أرشدنا الله سبحانه في هذه السورة الكريمة إلى أهمية العلم , وليس العلم فقط وإنما العلم المقرون بالعمل , فالجهل يودي بصاحبه إلى الضلال , والعلم بلا عمل يقود صاحبه إلى التكبر والتجبر مما يجعله مستحقاً لغضب الله تعالى وسخطه , أما الناجون هم من ينعم الله عليهم بالعلم ويعملون بما يعلمون وهم المؤمنون حقا , فقد أرشدت سورة الفاتحة إلى هذه المعاني العظيمة من خلال الآيات التالية ( صراط الذين أنعمت عليهم ) وهم المؤمنون ( غير المغضوب عليهم ) وهم اليهود الذين لم يعملوا بما علموا ( ولا الضالين ) وهم النصارى الذي لم يهتدوا إلى العلم أصلا .
ثانيا : الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة وشرط من شروط الإيمان , وهو من أعمال القوب ولكن تظهر مقتضايته على اللسان والجوارح , فيتوجب على المسلم أن يطلب العون من الله ليوفقه إلى الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين , وهذا ما نبهت إليه سورة الفاتحة من خلال الآيات التالية ( اهدنا الصراط المستقيم – صراط الذين أنعمت عليهم – غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
المطلب الثامن : ملخص الفوائد التربوية من سورة الفاتحة .
1- على الإنسان المسلم أن يبدأ كلّ أموره باسم الله تعالى .
2- تحقيق العبودية لله تعالى ( رب العالمين – إياك نعبد وإياك نستعين).
3- التوحيد الخالص لله تعالى بجميع أنواعه : توحيد الله بأفعاله , وتوحيد الله بأسمائه وصفاته , وتوحيد الله بأفعال العباد . ( الحمد لله رب العالمين – الرحمن الرحيم – مالك يوم الدين ) .
4- تربية النفس على الإحسان والشكر على الجميل والحمد على النعم    ( الحمد لله رب العالمين ) .
5- إحسان الظن بالله تعالى ( الرحمن الرحيم ) .
6- الحث على العدل والتخويف من الظلم وذلك بالتذكير بيوم الحساب   ( مالك يوم الدين ) .
7- اعتبار الجزاء ركنا هاما في العملية التربوية ( مالك يوم الدين ) .
8- التأكيد على الهوية الإسلامية , والانتماء للأمة الإسلامية .
9- الاهتمام باختيار الأصحاب والقرناء , كي يكونوا من أهل الصلاح لا من أهل الضلال ( صراط الذين أنعمت عليهم ) .
10- إنّ القسم الأول من السورة ( الحمدلله رب العالمين – الرحمن الرحيم – مالك يوم الدين ) يتضمن  بيان الجانب النظري المعرفي في حياة المسلم , ثم جاءت الآية بعده ( إياك نعبد وإياك نستعين ) لتبين الجانب العملي التطبيقي في حياة الإنسان المسلم , ثم وضحت السورة كيفية الربط بين الجانب النظري والجانب العملي من خلال الاستعانة بالله تعالى والالتجاء إليه بالدعاء ( اهدنا الصراط المستقيم).
11- تجنب التلقين الصوري النظري فقط بل يجب ربطه بالجانب العملي أيضا .
12- محاربة التشبه بالكفار .
13- من ثمار التواضع بناء علاقات اجتماعية مميزة , وسعادة في التعامل مع الأهل في المنزل , ويؤلف القلوب ويزيد المحبة , كما يورث حسن التعامل مع الطلاب والاهتمام بهم .
14- على الإنسان المسلم أن لا يقنط من رحمة الله فهو أرحم الراحمين .
15- الاستعداد ليوم الدين .
16- على الإنسان المسلم أن يطلب الهداية من الله تعالى بكل المواقف التي يمر بها .
17- على الإنسان المسلم أن يحرص على طلب العلم , ويحرص على العمل بما علم , أي علينا أن نعبد الله على بصيرة .
المبحث الرابع : الأساليب التربوية في سورة الفاتحة .
إنّ للأسلوب في العملية التربوية أهمية بالغة , فلا يمكن لأي عمل تربوي أن يترجم عن ذاته ويحقق أهدافه دون أسلوب يعرضه أو وسيلة تمكنه من التجسّد في سلوك الأفراد . فما هي أهم الأساليب التربوية التي تضمنتها سورة الفاتحة ؟
1- أسلوب الترغيب والترهيب :
أسلوب الترغيب والترهيب أسلوب بالغ الأهمية في التربية ؛ لأن النفس مفطورة على حب الخير والخوف من الشر , فهي تتوق للنجاح واللذة , وتخاف من الفشل والعواقب السيئة , وبعض النفوس ينفع معها الترغيب , وبعضها لا يقومها إلا الترهيب , وهذا الأسلوب لا يمكن للمربي أن يتخلى عنه في أي مرحلة من مراحل عمله مع المتربي , وقد تضمنت سورة الفاتحة هذا الأسلوب بأكثر من موضع , فقول الله تعالى ( رب العالمين ) فيه ترهيب من قدرة الله وعظمته , وقوله بعدها ( الرحمن الرحيم ) فيه ترغيب برحمة الله وعفوه وكرمه .
2- أسلوب ضرب الامثال :
إنّ ضرب الأمثال أدعى للإقناع , وأقرب للفهم من الشرح المسترسل , وقد جاء هذا الأسلوب من خلال الحديث عن الأقوام المنعم عليهم والأقوام المغضوب عليهم والأقوام الضالة وذلك في قوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم  غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
3- أسلوب القدوة :
إن لسان الحال أفضل من لسان المقال , فإنك مهما تتكلم عن الخير وفضائله فإن المتربي لا يمكن أن يستجيب إن لم ير العمل موافقا للقول . فأسلوب القدوة من أهم أساليب التربية التي أشارت إليها سورة الفاتحة في قول الله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) .
4- أسلوب ذكر الشيء ونقيضه :
وبضدها تتميز الأشياء , إن من أروع الأساليب التربوية وأكثرها نفعا أسلوب ذكر الشيء وذكر نقيضه فيتوضح الأمر المراد بشكل لا لبس فيه , ويغني عن كثير من الشرح , وقد وجدنا هذا الأسلوب في سورة الفاتحة عندما ذكر الله تعالى ( الذين أنعمت عليهم ) وذكر ضدهم ( المغضوب عليهم ) و ( الضالين ) .
5- أسلوب التأكيد والتكرار .
لا شك أنّ أسلوب التكرار والتأكيد على المعلومة يفيد في تثبيتها وحفظها والمداومة عليها , وهو أسلوب ضروري وهام في العملية التربوية , وقد بينت السورة هذا الأسلوب بتكرار قول الله تعالى ( الرحمن الرحيم ) وبالتأكيد على الصراط المستقيم .
6- أدب الطلب .
إنّ من حسن الخلق الأدب في الطلب والأدب في التعامل , ومن أدب الطلب أنّ تقدم بعض المقدمات قبل الطلب , فمع الله تعالى لا بد من تقديم الحمد لله , وتقديم الاعتراف بفضل الله تعالى على نعمه قبل الدعاء , فقد بدأت السورة بالحمد لله رب العالمين , وذكرت الرحمة , ونبهت على التوحيد , وعرّفت بالإيمان , ثم جاء بعدها الدعاء والإلحاح بالدعاء , وهذا كلّه مظنة الاستجابة .
7- أسلوب الثواب والعقاب .
إنّ من أهم المحفزات في العملية التربوية , ومن دواعي العدل في التعامل مع المتربين , استخدام أسلوب الثواب والعقاب , فيكافأ المجد والناجح , ويعاقب المسيء , وقد أشارت سورة الفاتحة إلى ذلك في قوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم , غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
8- تنوع الأساليب التربوية :
إن الروتين ممل للنفس , وقاتل للإبداع , وإن التغيير والتنويع يجدد الطاقات , ويرفع الهمم , ويثير العواطف , وقد لا حظنا في هذه السورة الصغيرة ذات السبع آيات استخدام أساليب تربوية كثيرة , من الترغيب والترهيب إلى القصة إلى القدوة وغيرها .
الخاتمة  : إن الله تعالى لم ينزل القرآن الكريم لكي يوضع على الرفوف , ولا ليتغنى به في المناسبات , ولا ليمرر على اللسان مرور الكرام , بل أنزله سبحانه وتعالى منهج حياة , ودستور دولة , لذلك عند قراءة كل آية يجب علينا أن نسأل أنفسنا سؤالين :
الأول : ماذا يريد الله منّا في هذه الآية ؟
الثاني : كيف أحقق ما يريده الله في هذه الآية ؟
وبهذه الدراسة اليسيرة لسورة الفاتحة نجد أنفسنا أمام كنز من القيم والأساليب والفوائد التربوية التي تعين الإنسان المسلم في حياته اليومية وتوصله إلى الطريق الصحيح .


الآية القيمة الفائدة التربوية
بسم الله الرحمن الرحيم 1- الابتداء باسم الله تعالى
2- الرحمة 1- على المسلم أن يبدأ كل أموره باسم الله تعالى .
2- إحسان الظن بالله تعالى .
3- التعامب برحمة مع جميع المخلوقات .
الحمدلله رب العالمين 1- الحمد
2- الأدب مع الله
3- الطمأنينة 1- تحقيق العبودية لله تعالى .
2- التوحيد الخالص لله تعالى .تربية النفس على الحمد على النعم , وعلى الإحسان والشكر على الجميل .
الرحمن الرحيم 1- تكرار الرحمة والتأكيد عليها 1- استخدام أسلوب التكرار في العملية التربوية .
2- الاهتمام بقيمة الرحمة .
مالك يوم الدين 1- العدل
2- الرقابة الذاتية
3- الإيمان 1- الحث على العدل , والتخويف من الظلم .
2- الاستعداد ليوم الحساب .
3- أسلوب الثواب والعقاب من أهم أركان العملية التربوية .
إيّاك نعبد وإيّاك نستعين 1- الإخلاص
2- التواضع
3- التوكل
4- التوحيد
5- الهوية والانتماء 1- الإخلاص في كل ما يقوم له الإنسان المسلم .
2- التأدب مع الله أولا , والتأدب مع أهل العلم والفضل ثانيا .
3- التأكيد على الهوية الإسلامية , والانتماء للأمة .
اهدنا الصراط المستقيم 1- الدعاء
2- القدوة الحسنة 1- الانتباه لأهمية الدعاء في حياة الإنسان المسلم .
2- ضرورة وجود قدوة ومرجعية يقتدي بها المسلم .
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين 1- العلم والعمل به
2- الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين 1- الاهتمام بالصحبة , واختيار الصبحة الصالحة .
2- محاربة التشبه بغير المسلمين بأي شكل من الأشكال .
3- تجنب الكلام النظري , والتلقين النظري , بل يجب ربط الجانب النظري بالجانب العملي .
4- التأكيد على أهمية العلم والعمل به .


الحمد لله ربّ العالمين

هناك 4 تعليقات:

القيم اليزنية في الرحلة الشتوية

بسم الله القيم اليزنية في الرحلة الشتوية نبذة عن القصة قصة قصيرة تدور حول أحداث حصلت معنا في الرحلة (النزهة) في هذه القصة سأذكر نموذجاً ملي...