أكاديمية باشاك شهير
للعلوم العربية والإسلامية
كلية الشريعة
قسم التربية الإسلامية
حلقة بحث لمادة المضامين التربوية في القرآن والسنة
المضامين التربوية في سورة الفاتحة
إعداد الطالب : محمد عمر العبيد
إشراف الدكتور : ياسر مصطفى الشلبي
المضامين التربوية في سورة الفاتحة
المقدمة : بسم الله الرحمن الرحيم , وبه نستعين والحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد المرسلين , سيدنا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين .
إنّ سورة الفاتحة صورة صغيرة بحجمها , قليلة بعدد آياتها , ولكنّها كبيرة بمضمونها , غنيّة بمحتواها , عظيمة بمفاهيمها , حتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم إنّها أعظم سورة في القرآن الكريم , وجاءت الأخبار كثيرة في بيان فضلها , وعظيم منزلتها , وعلو قدرها , ويكفينا من ذلك أنّ الخالق سبحانه وتعالى فرض علينا قراءتها بكل ركعة في صلاتنا ؛ أي أنّنا نكررها يوميا في فروض الصلاة فقط سبع عشرة مرة , وأكثر من ذلك في الرواتب , وإلى غير حد لمن أراد أن يقف بين يدي ربه متنفلا , وما هذا إلا لعظيم ما فيها , ولأهمية ماتحتويه , ولكن للأسف حال الكثير منّا اليوم كحال الببغاء , نردد هذه السورة صباح مساء , ولا نفكر بما فيها ولماذا نكررها , وإن أردنا أن نتدبر هذه السورة الكريمة لوجدنا فيها الخير العظيم , والفضل الكثير , فهي أم القرآن , وفاتحة الكتاب , فلماذا لا نقرؤها بعين التدبر والعناية ؟ وبمنظور التربية والرعاية ؟ فنتعلم منها ما يعيننا على التعامل مع أطفالنا وتلامذتنا وكل من هم حولنا ؛ وعلى رأسهم الصغار الذين لهم حق التربية والرعاية والاهتمام .
بناء على ما تقدم ذكره تأتي هذه الدراسة لهذه السورة المباركة دراسة تربوية , لعلنا نستفيد مما فيها من قيم وأساليب وفوائد تعيننا على آداء واجباتنا الحياتية وتنفعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون .
المبحث الأول : تعريف بسورة الفاتحة
المطلب الأول : عدد آياتها
اتفق العلماء على أن عدد آيات سورة الفاتحة سبع آيات , ولكن حصل الاختلاف حول الآية السابعة , فالبعض يعد البسملة هي الآية الأولى ويعد قوله تعالى "صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" آية واحدة , وهي الآية السابعة , ومن العلماء من لم يعد البسملة من السورة , حيث بدأ الآية السابعة من قوله تعالى " غير المعضوب عليهم ولا الضالين " .
المطلب الثاني : نزول سورة الفاتحة .
إن سورة الفاتحة سورة مكية بقول جمهور العلماء , ويرى البعض أنها مدنية , كما يرى البعض الآخر أنها مكية مدنية , أي نزلت مرة بمكة ومرة بالمدينة .
المطلب الثالث : سبب نزول سورة الفاتحة
يروى أنّ سبب نزول سورة الفاتحة يعود إلى حادثة وقعت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وورقة بن نوفل , فيقول فيها أبو ميسرة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع مناديا ينادي يا محمد , فإذا سمع الصوت انطلق هاربا , فقال له ورقة بن نوفل : إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك , قال : فلما برز سمع النداء : يا محمد , فقال : لبيك , قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله , ثم قال : قل الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين , حتى فرغ من فاتحة الكتاب
المطلب الرابع : فضل السورة وأهميتها
تأتي سورة الفاتحة على رأس السور التي أشار القرآن الكريم إلى أهميتها , وعظيم بركتها في قوله تعالى " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " (الحجر87) كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما فيها من المعاني العظيمة والحكم الجليلة عندما وصفها أنها أعظم سورة في كتاب الله , عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: " أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]. ثُمَّ قَالَ لِي: «لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي القُرْآنِ، قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ». ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: «أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ»، قَالَ: {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} «هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ» .
ومن المعروف عند العرب أن كثرة أسماء الشيء تدل على عظمه وأهميته وعلو مكانته , وقد سميت سورة الفاتحة بأسماء كثيرة منها , أم القرآن , وأم الكتاب , والحمد , والسبع المثاني , وسورة الصلاة , وفاتحة الكتاب , والقرآن العظيم , وغيرها الكثير من الأسماء .
المبحث الثاني : تفسير مبسط لسورة الفاتحة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} ، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي - وقال مرة فوض إلي عبدي - فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل"
إن هذا الحديث يبين أن سورة الفاتحة هي حمد لله , وثناء عليه , وتمجيد له , وتفويض إليه , ودعاء واستغاثة به , وفضل من الله سبحانه وتعالى . وليس هذا فقط , بل هي خطاب بين العبد وربه , وما أروع هذا الموقف , ما أروع أن يقف الإنسان يخاطب ربه وربه يجيبه , لقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقرأ الفاتحة آية آية ويسكت بينهما , وحين سئل عن سبب سكوته قال : " لأستمتع برد ربي " .
المبحث الثالث : القيم التربوية في سورة الفاتحة .
المطلب الأول : " بسم الله الرحمن الرحيم " (1)
أولا : القيم التربوية في الآية
1- الابتداء باسم الله .
2- قيمة الرحمة .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : على الإنسان المسلم أن يبدأ كل أمر من أموره باسم الله تعالى ,وأن يعلّم أبناءه وتلامذته أن يبدؤوا كل أمورهم باسم الله تعالى , فتحصل فيه البركة , والبدء باسم الله رادع عن المعصية في القول والعمل , إذ إنّ المسلم ليحس بالخجل من أن يبدأ فعله للمعصية باسم الله .
ثانيا : إنّ من أعظم القيم الإسلامية التي ترشد لها الآية قيمة الرحمة , التي إن نزعت من قلب إنسان خسر الدنيا والآخرة , فمن لا يملك الرحمة تنفر منه الناس كائنا من كان , فقد قال الله تعالى لنبيه الكريم " ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك " , وإنّ الله تعالى ذكر الرحمة أول قيمة في القرآن لأهمية هذه القيمة , فعلى الإنسان المسلم أن يكون رحيما بأهله , رحيما بأبنائه , رحيما بتلامذته , رحيما بجيرانه , رحيما بالمسلمين أجمعين .
المطلب الثاني : " الحمد لله رب العالمين " (2)
أولا : القيم التربوية المتضمنة في الآية
1- قيمة الحمد
2- قيمة الأدب مع الله .
3- قيمة الطمأنينة .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : نستخلص من هذه الآية الكريمة أنّ لله تعالى علينا حق الحمد ابتداءً وانتهاءً , وعلى هذا الحال وعلى كل حال , وفي كل وقت وحين , وأنّ له علينا حقّ الحمد بقلوبنا , وجوارحنا , وأقوالنا , وأفعالنا . فالحمد لله رب العالمين .
ثانيا : بدأت الآية بالحمد لله أولا ثم جاء السبب بعدها ليجيب عن سؤال , لماذا الحمد لله ؟ ؛ لأنه ربّ العالمين , والربّ هو الذي يتعهد مربوبيه بالرعاية والحفظ والعناية , فالحمد لله ؛ لأنّه رب العالمين , وتقديم الحمد على فعل الله تعالى فيه تأدب مع الله , فنقدم الحمد لله قبل أن ندعوه , ونقدم الحمد قبل أن نطلب أي شيء من الله تعالى , وهذا مظنّة استجابة الدعاء .
ثالثا : إذا كان الله سبحانه هو رب العالمين , رب الأولين والآخرين , ربّ الظالمين والمظلومين , فإن ذلك يورّث راحة في النفس كبيرة , حيث يعلم المظلوم أن الله ربّه , ويعلم المكروب أنّ الله ربّه , ويعلم المريض أنّ الله ربّه , ومن كان الله سبحانه ربّه فلا يحزن ولا يشقى , لأن أمره كلّه خير , إن أصابته سراء شكر , وإن أصابته ضراء صبر فكان خير .
المطلب الثالث : " الرحمن الرحيم " (3)
عندما يتكرر قوله تعالى " الرحمن الرحيم " يدل ذلك على أهمية الرحمة في حياة المسلم , ويؤكد أنّ الله رحيم , وأنّ رحمته وسعت كل شيء , فلا نقنط من رحمة الله , ولا بد أن يكون المسلم رحيما بكل ما يتعامل معه .
المطلب الرابع : " مالك يوم الدين " (4)
أولا : القيم التربوية المتضمنة في الآية .
1- قيمة العدل .
2- قيمة الرقابة الذاتية .
3- قيمة الإيمان .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : ينبّه الله تعالى في قوله (مالك يوم الدين) إلى عدله سبحانه وتعالى , فقد نرى في الدنيا تسلط الظالمين , وعلو الفاسدين , وقد نرى الظلم والفساد والقهر والعذاب ولا نرى عودة الحقوق لأصحابها , فنحس بضيق في الصدور , ولكن عندما نعلم أن الله تعالى هو مالك يوم الدين , نعرف أنّ في ذلك اليوم يأخذ كل ذي حقٍ حقه ؛ لأنّه حاشا لله أن يظلم عنده أحد , كما تحثنا هذه الآية على إقامة العدل , وعدم الظلم ؛ لأننا راجعون إلى يوم الحساب .
ثانيا : عندما يكرر الإنسان المسلم قول الله تعالى مالك يوم الدين عشرات المرات في اليوم , تتكون عنده قوة داخلية تردعه عن الظلم , وعن الوقوع بالحرام بكافة أشكاله , لخوفه من الله تعالى مالك ذلك اليوم , يوم الحساب والعقاب .
ثالثا : إنّ قيمة الإيمان بالله تعالى من أعظم القيم التي تتضمنها هذه السورة العظيمة , فقول الله تعالى ( الحمد لله رب العالمين – الرحمن الرحيم ) ترشدنا إلى الإيمان بالله تعالى , فهو ربّنا , وهو مدبر أمورنا , وهو راحمنا ورحيمنا , وبيده كل شيء , وقوله تعالى ( مالك يوم الدين ) ترشدنا إلى الإيمان باليوم الآخر , وتنبهنا إلى الاستعداد التام لذلك اليوم العظيم , كما تزرع في نفوسنا الرهبة من عظمة الله تعالى ؛ فإن لم يرحمنا في ذلك اليوم فلا راحم لنا سواه .
المطلب الخامس : "إيّاك نعبد وإيّاك نستعين " (5)
أولا : القيم التربوية في الآية :
1- قيمة الإخلاص .
2- قيمة التواضع .
3- قيمة التوكل .
4- التوحيد .
5- الهوية والانتماء :
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية :
أولا : نستخلص من قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) أهمية الإخلاص لله في العبادة , والإخلاص له في الاستعانة به على عبادته , فتقدم الضمير إياك على فعل العبادة وفعل الاستعانة يفيد الحصر , أي لا نعبد إلا أنت يا رب , ولا نستعين إلا بك يا كريم , وهذا هو عين الإخلاص.
ثانيا : إنّ الإخلاص في العبادة لله , وطلب الاستعانة من الله وحده , والإقرار بأنّ التوفيق من الله وحده , يورّث في القلب خلقا من أخلاق الأنبياء ألا وهو خلق التواضع , وهو خلق يسعى الإسلام إلى إيجاده وتمثيله في الإنسان المسلم , وهذا ما دلّ عليه قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .
ثالثا : التوكل على الله خصلة من أعظم خصال الإيمان , وعبادة من أفضل العبادات القلبية , ومن أهم مقامات الدين , حيث قال ابن القيم أن التوكل نصف الدين , وقد أشار قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) إلى هذه القيمة العظيمة .
رابعا : إنّ من أهم ما تشير إليه سورة الفاتحة من خلال هذه الآية والآيات التي سبقتها قيمة التوحيد , فقد أشارت السورة إلى توحيد الله سبحانه تعالى بكل أنواعه , فمن خلال قوله تعالى ( الحمد لله رب العالمين ) و ( مالك يوم الدين ) أشارت إلى توحيد الله تعالى بأفعاله , فهو الرب والمالك والمتصرف بكل الخلائق , ومن خلال قوله تعالى ( الرحمن الرحيم ) أشارت إلى توحيد الله بأسمائه وصفاته فهو الرحمن وهو الرحيم , ومن خلال قول تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) تعرفنا الآية على أهم أنواع التوحيد وهو توحيد الله تعالى بأفعال العباد , فعلينا أنّ نوحد الله تعالى بعبادتنا فلا نشرك به شيئا , فلا نعبد إلاّ سواه , ولا نستعين إلا به .
خامسا : إن استخدام صيغة الجمع في قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) والالتجاء إلى الله كي يهدينا صراط الذين أنعم عليهم لا صراط غيرهم , يعزز ذلك من الانتماء للأمة الإسلامة , وينمي الهوية والانتماء للأمة في نفس قارئ تلك الآيات العظام (إياك نعبد وإياك نستعين ) و ( صراط الذين أنعمت عليهم ) .
المطلب السادس : " اهدنا الصراط المستقيم " (6)
أولا : القيم التربوية في الآية .
1- قيمة الدعاء .
2- قيمة القدوة الحسنة .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : الدعاء طاعة من أجل الطاعات وقربة من أعظم القربات , وله آثار كبرى وفوائد عظيمة , وقد بينت سورة الفاتحة هذا المضمون وأرشدت إليه أتم إرشاد , فنصفها الأول تمجيد وثناء لله واعتراف بألوهيته وربوبيته وهذا دعاء العبادة , و نصفها الآخر دعاء طلب ومسألة . فإن قول الله تبارك وتعالى ( اهدنا الصراط المستقيم ) يؤكد لنا أهمية الدعاء في حياة الإنسان المسلم , فإن لم يوفقنا الله سبحانه إلى طريق الحق فلا هادي لنا سواه , لذلك يتوجب علينا أن نكثر من الدعاء في كل أمر من أمور حياتنا .
ثانيا : من المعلوم لدى الجميع أن التربية بالقدوة هي أساس التربية , وكما يقال حال رجل بألف رجل خير من مقال ألف رجل برجل , فبينت لنا سورة الفاتحة أنواع القدوات ( الحسنة والسيئة ) بقوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) القدوة الحسنة ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) القدوة السيئة , وحثنا على التزام طريق القدوة الحسنة من خلال قوله تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم – صراط الذين أنعمت عليهم – غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
المطلب السابع : " صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " (7)
أولا : القيم التربوية في الآية .
1- قيمة العلم وأهمية العمل بالعلم .
2- قيمة الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : أرشدنا الله سبحانه في هذه السورة الكريمة إلى أهمية العلم , وليس العلم فقط وإنما العلم المقرون بالعمل , فالجهل يودي بصاحبه إلى الضلال , والعلم بلا عمل يقود صاحبه إلى التكبر والتجبر مما يجعله مستحقاً لغضب الله تعالى وسخطه , أما الناجون هم من ينعم الله عليهم بالعلم ويعملون بما يعلمون وهم المؤمنون حقا , فقد أرشدت سورة الفاتحة إلى هذه المعاني العظيمة من خلال الآيات التالية ( صراط الذين أنعمت عليهم ) وهم المؤمنون ( غير المغضوب عليهم ) وهم اليهود الذين لم يعملوا بما علموا ( ولا الضالين ) وهم النصارى الذي لم يهتدوا إلى العلم أصلا .
ثانيا : الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة وشرط من شروط الإيمان , وهو من أعمال القوب ولكن تظهر مقتضايته على اللسان والجوارح , فيتوجب على المسلم أن يطلب العون من الله ليوفقه إلى الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين , وهذا ما نبهت إليه سورة الفاتحة من خلال الآيات التالية ( اهدنا الصراط المستقيم – صراط الذين أنعمت عليهم – غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
المطلب الثامن : ملخص الفوائد التربوية من سورة الفاتحة .
1- على الإنسان المسلم أن يبدأ كلّ أموره باسم الله تعالى .
2- تحقيق العبودية لله تعالى ( رب العالمين – إياك نعبد وإياك نستعين).
3- التوحيد الخالص لله تعالى بجميع أنواعه : توحيد الله بأفعاله , وتوحيد الله بأسمائه وصفاته , وتوحيد الله بأفعال العباد . ( الحمد لله رب العالمين – الرحمن الرحيم – مالك يوم الدين ) .
4- تربية النفس على الإحسان والشكر على الجميل والحمد على النعم ( الحمد لله رب العالمين ) .
5- إحسان الظن بالله تعالى ( الرحمن الرحيم ) .
6- الحث على العدل والتخويف من الظلم وذلك بالتذكير بيوم الحساب ( مالك يوم الدين ) .
7- اعتبار الجزاء ركنا هاما في العملية التربوية ( مالك يوم الدين ) .
8- التأكيد على الهوية الإسلامية , والانتماء للأمة الإسلامية .
9- الاهتمام باختيار الأصحاب والقرناء , كي يكونوا من أهل الصلاح لا من أهل الضلال ( صراط الذين أنعمت عليهم ) .
10- إنّ القسم الأول من السورة ( الحمدلله رب العالمين – الرحمن الرحيم – مالك يوم الدين ) يتضمن بيان الجانب النظري المعرفي في حياة المسلم , ثم جاءت الآية بعده ( إياك نعبد وإياك نستعين ) لتبين الجانب العملي التطبيقي في حياة الإنسان المسلم , ثم وضحت السورة كيفية الربط بين الجانب النظري والجانب العملي من خلال الاستعانة بالله تعالى والالتجاء إليه بالدعاء ( اهدنا الصراط المستقيم).
11- تجنب التلقين الصوري النظري فقط بل يجب ربطه بالجانب العملي أيضا .
12- محاربة التشبه بالكفار .
13- من ثمار التواضع بناء علاقات اجتماعية مميزة , وسعادة في التعامل مع الأهل في المنزل , ويؤلف القلوب ويزيد المحبة , كما يورث حسن التعامل مع الطلاب والاهتمام بهم .
14- على الإنسان المسلم أن لا يقنط من رحمة الله فهو أرحم الراحمين .
15- الاستعداد ليوم الدين .
16- على الإنسان المسلم أن يطلب الهداية من الله تعالى بكل المواقف التي يمر بها .
17- على الإنسان المسلم أن يحرص على طلب العلم , ويحرص على العمل بما علم , أي علينا أن نعبد الله على بصيرة .
المبحث الرابع : الأساليب التربوية في سورة الفاتحة .
إنّ للأسلوب في العملية التربوية أهمية بالغة , فلا يمكن لأي عمل تربوي أن يترجم عن ذاته ويحقق أهدافه دون أسلوب يعرضه أو وسيلة تمكنه من التجسّد في سلوك الأفراد . فما هي أهم الأساليب التربوية التي تضمنتها سورة الفاتحة ؟
1- أسلوب الترغيب والترهيب :
أسلوب الترغيب والترهيب أسلوب بالغ الأهمية في التربية ؛ لأن النفس مفطورة على حب الخير والخوف من الشر , فهي تتوق للنجاح واللذة , وتخاف من الفشل والعواقب السيئة , وبعض النفوس ينفع معها الترغيب , وبعضها لا يقومها إلا الترهيب , وهذا الأسلوب لا يمكن للمربي أن يتخلى عنه في أي مرحلة من مراحل عمله مع المتربي , وقد تضمنت سورة الفاتحة هذا الأسلوب بأكثر من موضع , فقول الله تعالى ( رب العالمين ) فيه ترهيب من قدرة الله وعظمته , وقوله بعدها ( الرحمن الرحيم ) فيه ترغيب برحمة الله وعفوه وكرمه .
2- أسلوب ضرب الامثال :
إنّ ضرب الأمثال أدعى للإقناع , وأقرب للفهم من الشرح المسترسل , وقد جاء هذا الأسلوب من خلال الحديث عن الأقوام المنعم عليهم والأقوام المغضوب عليهم والأقوام الضالة وذلك في قوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
3- أسلوب القدوة :
إن لسان الحال أفضل من لسان المقال , فإنك مهما تتكلم عن الخير وفضائله فإن المتربي لا يمكن أن يستجيب إن لم ير العمل موافقا للقول . فأسلوب القدوة من أهم أساليب التربية التي أشارت إليها سورة الفاتحة في قول الله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) .
4- أسلوب ذكر الشيء ونقيضه :
وبضدها تتميز الأشياء , إن من أروع الأساليب التربوية وأكثرها نفعا أسلوب ذكر الشيء وذكر نقيضه فيتوضح الأمر المراد بشكل لا لبس فيه , ويغني عن كثير من الشرح , وقد وجدنا هذا الأسلوب في سورة الفاتحة عندما ذكر الله تعالى ( الذين أنعمت عليهم ) وذكر ضدهم ( المغضوب عليهم ) و ( الضالين ) .
5- أسلوب التأكيد والتكرار .
لا شك أنّ أسلوب التكرار والتأكيد على المعلومة يفيد في تثبيتها وحفظها والمداومة عليها , وهو أسلوب ضروري وهام في العملية التربوية , وقد بينت السورة هذا الأسلوب بتكرار قول الله تعالى ( الرحمن الرحيم ) وبالتأكيد على الصراط المستقيم .
6- أدب الطلب .
إنّ من حسن الخلق الأدب في الطلب والأدب في التعامل , ومن أدب الطلب أنّ تقدم بعض المقدمات قبل الطلب , فمع الله تعالى لا بد من تقديم الحمد لله , وتقديم الاعتراف بفضل الله تعالى على نعمه قبل الدعاء , فقد بدأت السورة بالحمد لله رب العالمين , وذكرت الرحمة , ونبهت على التوحيد , وعرّفت بالإيمان , ثم جاء بعدها الدعاء والإلحاح بالدعاء , وهذا كلّه مظنة الاستجابة .
7- أسلوب الثواب والعقاب .
إنّ من أهم المحفزات في العملية التربوية , ومن دواعي العدل في التعامل مع المتربين , استخدام أسلوب الثواب والعقاب , فيكافأ المجد والناجح , ويعاقب المسيء , وقد أشارت سورة الفاتحة إلى ذلك في قوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم , غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
8- تنوع الأساليب التربوية :
إن الروتين ممل للنفس , وقاتل للإبداع , وإن التغيير والتنويع يجدد الطاقات , ويرفع الهمم , ويثير العواطف , وقد لا حظنا في هذه السورة الصغيرة ذات السبع آيات استخدام أساليب تربوية كثيرة , من الترغيب والترهيب إلى القصة إلى القدوة وغيرها .
الخاتمة : إن الله تعالى لم ينزل القرآن الكريم لكي يوضع على الرفوف , ولا ليتغنى به في المناسبات , ولا ليمرر على اللسان مرور الكرام , بل أنزله سبحانه وتعالى منهج حياة , ودستور دولة , لذلك عند قراءة كل آية يجب علينا أن نسأل أنفسنا سؤالين :
الأول : ماذا يريد الله منّا في هذه الآية ؟
الثاني : كيف أحقق ما يريده الله في هذه الآية ؟
وبهذه الدراسة اليسيرة لسورة الفاتحة نجد أنفسنا أمام كنز من القيم والأساليب والفوائد التربوية التي تعين الإنسان المسلم في حياته اليومية وتوصله إلى الطريق الصحيح .
الآية القيمة الفائدة التربوية
بسم الله الرحمن الرحيم 1- الابتداء باسم الله تعالى
2- الرحمة 1- على المسلم أن يبدأ كل أموره باسم الله تعالى .
2- إحسان الظن بالله تعالى .
3- التعامب برحمة مع جميع المخلوقات .
الحمدلله رب العالمين 1- الحمد
2- الأدب مع الله
3- الطمأنينة 1- تحقيق العبودية لله تعالى .
2- التوحيد الخالص لله تعالى .تربية النفس على الحمد على النعم , وعلى الإحسان والشكر على الجميل .
الرحمن الرحيم 1- تكرار الرحمة والتأكيد عليها 1- استخدام أسلوب التكرار في العملية التربوية .
2- الاهتمام بقيمة الرحمة .
مالك يوم الدين 1- العدل
2- الرقابة الذاتية
3- الإيمان 1- الحث على العدل , والتخويف من الظلم .
2- الاستعداد ليوم الحساب .
3- أسلوب الثواب والعقاب من أهم أركان العملية التربوية .
إيّاك نعبد وإيّاك نستعين 1- الإخلاص
2- التواضع
3- التوكل
4- التوحيد
5- الهوية والانتماء 1- الإخلاص في كل ما يقوم له الإنسان المسلم .
2- التأدب مع الله أولا , والتأدب مع أهل العلم والفضل ثانيا .
3- التأكيد على الهوية الإسلامية , والانتماء للأمة .
اهدنا الصراط المستقيم 1- الدعاء
2- القدوة الحسنة 1- الانتباه لأهمية الدعاء في حياة الإنسان المسلم .
2- ضرورة وجود قدوة ومرجعية يقتدي بها المسلم .
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين 1- العلم والعمل به
2- الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين 1- الاهتمام بالصحبة , واختيار الصبحة الصالحة .
2- محاربة التشبه بغير المسلمين بأي شكل من الأشكال .
3- تجنب الكلام النظري , والتلقين النظري , بل يجب ربط الجانب النظري بالجانب العملي .
4- التأكيد على أهمية العلم والعمل به .
الحمد لله ربّ العالمين
للعلوم العربية والإسلامية
كلية الشريعة
قسم التربية الإسلامية
حلقة بحث لمادة المضامين التربوية في القرآن والسنة
المضامين التربوية في سورة الفاتحة
إعداد الطالب : محمد عمر العبيد
إشراف الدكتور : ياسر مصطفى الشلبي
المضامين التربوية في سورة الفاتحة
المقدمة : بسم الله الرحمن الرحيم , وبه نستعين والحمد لله رب العالمين , والصلاة والسلام على سيد المرسلين , سيدنا محمد , وعلى آله وصحبه أجمعين .
إنّ سورة الفاتحة صورة صغيرة بحجمها , قليلة بعدد آياتها , ولكنّها كبيرة بمضمونها , غنيّة بمحتواها , عظيمة بمفاهيمها , حتى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم إنّها أعظم سورة في القرآن الكريم , وجاءت الأخبار كثيرة في بيان فضلها , وعظيم منزلتها , وعلو قدرها , ويكفينا من ذلك أنّ الخالق سبحانه وتعالى فرض علينا قراءتها بكل ركعة في صلاتنا ؛ أي أنّنا نكررها يوميا في فروض الصلاة فقط سبع عشرة مرة , وأكثر من ذلك في الرواتب , وإلى غير حد لمن أراد أن يقف بين يدي ربه متنفلا , وما هذا إلا لعظيم ما فيها , ولأهمية ماتحتويه , ولكن للأسف حال الكثير منّا اليوم كحال الببغاء , نردد هذه السورة صباح مساء , ولا نفكر بما فيها ولماذا نكررها , وإن أردنا أن نتدبر هذه السورة الكريمة لوجدنا فيها الخير العظيم , والفضل الكثير , فهي أم القرآن , وفاتحة الكتاب , فلماذا لا نقرؤها بعين التدبر والعناية ؟ وبمنظور التربية والرعاية ؟ فنتعلم منها ما يعيننا على التعامل مع أطفالنا وتلامذتنا وكل من هم حولنا ؛ وعلى رأسهم الصغار الذين لهم حق التربية والرعاية والاهتمام .
بناء على ما تقدم ذكره تأتي هذه الدراسة لهذه السورة المباركة دراسة تربوية , لعلنا نستفيد مما فيها من قيم وأساليب وفوائد تعيننا على آداء واجباتنا الحياتية وتنفعنا يوم لا ينفع مال ولا بنون .
المبحث الأول : تعريف بسورة الفاتحة
المطلب الأول : عدد آياتها
اتفق العلماء على أن عدد آيات سورة الفاتحة سبع آيات , ولكن حصل الاختلاف حول الآية السابعة , فالبعض يعد البسملة هي الآية الأولى ويعد قوله تعالى "صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين" آية واحدة , وهي الآية السابعة , ومن العلماء من لم يعد البسملة من السورة , حيث بدأ الآية السابعة من قوله تعالى " غير المعضوب عليهم ولا الضالين " .
المطلب الثاني : نزول سورة الفاتحة .
إن سورة الفاتحة سورة مكية بقول جمهور العلماء , ويرى البعض أنها مدنية , كما يرى البعض الآخر أنها مكية مدنية , أي نزلت مرة بمكة ومرة بالمدينة .
المطلب الثالث : سبب نزول سورة الفاتحة
يروى أنّ سبب نزول سورة الفاتحة يعود إلى حادثة وقعت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وورقة بن نوفل , فيقول فيها أبو ميسرة بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا برز سمع مناديا ينادي يا محمد , فإذا سمع الصوت انطلق هاربا , فقال له ورقة بن نوفل : إذا سمعت النداء فاثبت حتى تسمع ما يقول لك , قال : فلما برز سمع النداء : يا محمد , فقال : لبيك , قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله , ثم قال : قل الحمد لله رب العالمين , الرحمن الرحيم , مالك يوم الدين , حتى فرغ من فاتحة الكتاب
المطلب الرابع : فضل السورة وأهميتها
تأتي سورة الفاتحة على رأس السور التي أشار القرآن الكريم إلى أهميتها , وعظيم بركتها في قوله تعالى " ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم " (الحجر87) كما أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما فيها من المعاني العظيمة والحكم الجليلة عندما وصفها أنها أعظم سورة في كتاب الله , عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ المُعَلَّى، قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي فِي المَسْجِدِ، فَدَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ أُجِبْهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي، فَقَالَ: " أَلَمْ يَقُلِ اللَّهُ: {اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ} [الأنفال: 24]. ثُمَّ قَالَ لِي: «لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ السُّوَرِ فِي القُرْآنِ، قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ مِنَ المَسْجِدِ». ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ، قُلْتُ لَهُ: «أَلَمْ تَقُلْ لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً هِيَ أَعْظَمُ سُورَةٍ فِي القُرْآنِ»، قَالَ: {الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ} «هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي، وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ» .
ومن المعروف عند العرب أن كثرة أسماء الشيء تدل على عظمه وأهميته وعلو مكانته , وقد سميت سورة الفاتحة بأسماء كثيرة منها , أم القرآن , وأم الكتاب , والحمد , والسبع المثاني , وسورة الصلاة , وفاتحة الكتاب , والقرآن العظيم , وغيرها الكثير من الأسماء .
المبحث الثاني : تفسير مبسط لسورة الفاتحة
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الحمد لله رب العالمين} ، قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: {الرحمن الرحيم} ، قال الله تعالى: أثنى علي عبدي، وإذا قال: {مالك يوم الدين}، قال: مجدني عبدي - وقال مرة فوض إلي عبدي - فإذا قال: {إياك نعبد وإياك نستعين} قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: {اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل"
إن هذا الحديث يبين أن سورة الفاتحة هي حمد لله , وثناء عليه , وتمجيد له , وتفويض إليه , ودعاء واستغاثة به , وفضل من الله سبحانه وتعالى . وليس هذا فقط , بل هي خطاب بين العبد وربه , وما أروع هذا الموقف , ما أروع أن يقف الإنسان يخاطب ربه وربه يجيبه , لقد كان عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه يقرأ الفاتحة آية آية ويسكت بينهما , وحين سئل عن سبب سكوته قال : " لأستمتع برد ربي " .
المبحث الثالث : القيم التربوية في سورة الفاتحة .
المطلب الأول : " بسم الله الرحمن الرحيم " (1)
أولا : القيم التربوية في الآية
1- الابتداء باسم الله .
2- قيمة الرحمة .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : على الإنسان المسلم أن يبدأ كل أمر من أموره باسم الله تعالى ,وأن يعلّم أبناءه وتلامذته أن يبدؤوا كل أمورهم باسم الله تعالى , فتحصل فيه البركة , والبدء باسم الله رادع عن المعصية في القول والعمل , إذ إنّ المسلم ليحس بالخجل من أن يبدأ فعله للمعصية باسم الله .
ثانيا : إنّ من أعظم القيم الإسلامية التي ترشد لها الآية قيمة الرحمة , التي إن نزعت من قلب إنسان خسر الدنيا والآخرة , فمن لا يملك الرحمة تنفر منه الناس كائنا من كان , فقد قال الله تعالى لنبيه الكريم " ولو كنت فظّا غليظ القلب لانفضوا من حولك " , وإنّ الله تعالى ذكر الرحمة أول قيمة في القرآن لأهمية هذه القيمة , فعلى الإنسان المسلم أن يكون رحيما بأهله , رحيما بأبنائه , رحيما بتلامذته , رحيما بجيرانه , رحيما بالمسلمين أجمعين .
المطلب الثاني : " الحمد لله رب العالمين " (2)
أولا : القيم التربوية المتضمنة في الآية
1- قيمة الحمد
2- قيمة الأدب مع الله .
3- قيمة الطمأنينة .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : نستخلص من هذه الآية الكريمة أنّ لله تعالى علينا حق الحمد ابتداءً وانتهاءً , وعلى هذا الحال وعلى كل حال , وفي كل وقت وحين , وأنّ له علينا حقّ الحمد بقلوبنا , وجوارحنا , وأقوالنا , وأفعالنا . فالحمد لله رب العالمين .
ثانيا : بدأت الآية بالحمد لله أولا ثم جاء السبب بعدها ليجيب عن سؤال , لماذا الحمد لله ؟ ؛ لأنه ربّ العالمين , والربّ هو الذي يتعهد مربوبيه بالرعاية والحفظ والعناية , فالحمد لله ؛ لأنّه رب العالمين , وتقديم الحمد على فعل الله تعالى فيه تأدب مع الله , فنقدم الحمد لله قبل أن ندعوه , ونقدم الحمد قبل أن نطلب أي شيء من الله تعالى , وهذا مظنّة استجابة الدعاء .
ثالثا : إذا كان الله سبحانه هو رب العالمين , رب الأولين والآخرين , ربّ الظالمين والمظلومين , فإن ذلك يورّث راحة في النفس كبيرة , حيث يعلم المظلوم أن الله ربّه , ويعلم المكروب أنّ الله ربّه , ويعلم المريض أنّ الله ربّه , ومن كان الله سبحانه ربّه فلا يحزن ولا يشقى , لأن أمره كلّه خير , إن أصابته سراء شكر , وإن أصابته ضراء صبر فكان خير .
المطلب الثالث : " الرحمن الرحيم " (3)
عندما يتكرر قوله تعالى " الرحمن الرحيم " يدل ذلك على أهمية الرحمة في حياة المسلم , ويؤكد أنّ الله رحيم , وأنّ رحمته وسعت كل شيء , فلا نقنط من رحمة الله , ولا بد أن يكون المسلم رحيما بكل ما يتعامل معه .
المطلب الرابع : " مالك يوم الدين " (4)
أولا : القيم التربوية المتضمنة في الآية .
1- قيمة العدل .
2- قيمة الرقابة الذاتية .
3- قيمة الإيمان .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : ينبّه الله تعالى في قوله (مالك يوم الدين) إلى عدله سبحانه وتعالى , فقد نرى في الدنيا تسلط الظالمين , وعلو الفاسدين , وقد نرى الظلم والفساد والقهر والعذاب ولا نرى عودة الحقوق لأصحابها , فنحس بضيق في الصدور , ولكن عندما نعلم أن الله تعالى هو مالك يوم الدين , نعرف أنّ في ذلك اليوم يأخذ كل ذي حقٍ حقه ؛ لأنّه حاشا لله أن يظلم عنده أحد , كما تحثنا هذه الآية على إقامة العدل , وعدم الظلم ؛ لأننا راجعون إلى يوم الحساب .
ثانيا : عندما يكرر الإنسان المسلم قول الله تعالى مالك يوم الدين عشرات المرات في اليوم , تتكون عنده قوة داخلية تردعه عن الظلم , وعن الوقوع بالحرام بكافة أشكاله , لخوفه من الله تعالى مالك ذلك اليوم , يوم الحساب والعقاب .
ثالثا : إنّ قيمة الإيمان بالله تعالى من أعظم القيم التي تتضمنها هذه السورة العظيمة , فقول الله تعالى ( الحمد لله رب العالمين – الرحمن الرحيم ) ترشدنا إلى الإيمان بالله تعالى , فهو ربّنا , وهو مدبر أمورنا , وهو راحمنا ورحيمنا , وبيده كل شيء , وقوله تعالى ( مالك يوم الدين ) ترشدنا إلى الإيمان باليوم الآخر , وتنبهنا إلى الاستعداد التام لذلك اليوم العظيم , كما تزرع في نفوسنا الرهبة من عظمة الله تعالى ؛ فإن لم يرحمنا في ذلك اليوم فلا راحم لنا سواه .
المطلب الخامس : "إيّاك نعبد وإيّاك نستعين " (5)
أولا : القيم التربوية في الآية :
1- قيمة الإخلاص .
2- قيمة التواضع .
3- قيمة التوكل .
4- التوحيد .
5- الهوية والانتماء :
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية :
أولا : نستخلص من قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) أهمية الإخلاص لله في العبادة , والإخلاص له في الاستعانة به على عبادته , فتقدم الضمير إياك على فعل العبادة وفعل الاستعانة يفيد الحصر , أي لا نعبد إلا أنت يا رب , ولا نستعين إلا بك يا كريم , وهذا هو عين الإخلاص.
ثانيا : إنّ الإخلاص في العبادة لله , وطلب الاستعانة من الله وحده , والإقرار بأنّ التوفيق من الله وحده , يورّث في القلب خلقا من أخلاق الأنبياء ألا وهو خلق التواضع , وهو خلق يسعى الإسلام إلى إيجاده وتمثيله في الإنسان المسلم , وهذا ما دلّ عليه قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) .
ثالثا : التوكل على الله خصلة من أعظم خصال الإيمان , وعبادة من أفضل العبادات القلبية , ومن أهم مقامات الدين , حيث قال ابن القيم أن التوكل نصف الدين , وقد أشار قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) إلى هذه القيمة العظيمة .
رابعا : إنّ من أهم ما تشير إليه سورة الفاتحة من خلال هذه الآية والآيات التي سبقتها قيمة التوحيد , فقد أشارت السورة إلى توحيد الله سبحانه تعالى بكل أنواعه , فمن خلال قوله تعالى ( الحمد لله رب العالمين ) و ( مالك يوم الدين ) أشارت إلى توحيد الله تعالى بأفعاله , فهو الرب والمالك والمتصرف بكل الخلائق , ومن خلال قوله تعالى ( الرحمن الرحيم ) أشارت إلى توحيد الله بأسمائه وصفاته فهو الرحمن وهو الرحيم , ومن خلال قول تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) تعرفنا الآية على أهم أنواع التوحيد وهو توحيد الله تعالى بأفعال العباد , فعلينا أنّ نوحد الله تعالى بعبادتنا فلا نشرك به شيئا , فلا نعبد إلاّ سواه , ولا نستعين إلا به .
خامسا : إن استخدام صيغة الجمع في قوله تعالى ( إياك نعبد وإياك نستعين ) والالتجاء إلى الله كي يهدينا صراط الذين أنعم عليهم لا صراط غيرهم , يعزز ذلك من الانتماء للأمة الإسلامة , وينمي الهوية والانتماء للأمة في نفس قارئ تلك الآيات العظام (إياك نعبد وإياك نستعين ) و ( صراط الذين أنعمت عليهم ) .
المطلب السادس : " اهدنا الصراط المستقيم " (6)
أولا : القيم التربوية في الآية .
1- قيمة الدعاء .
2- قيمة القدوة الحسنة .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : الدعاء طاعة من أجل الطاعات وقربة من أعظم القربات , وله آثار كبرى وفوائد عظيمة , وقد بينت سورة الفاتحة هذا المضمون وأرشدت إليه أتم إرشاد , فنصفها الأول تمجيد وثناء لله واعتراف بألوهيته وربوبيته وهذا دعاء العبادة , و نصفها الآخر دعاء طلب ومسألة . فإن قول الله تبارك وتعالى ( اهدنا الصراط المستقيم ) يؤكد لنا أهمية الدعاء في حياة الإنسان المسلم , فإن لم يوفقنا الله سبحانه إلى طريق الحق فلا هادي لنا سواه , لذلك يتوجب علينا أن نكثر من الدعاء في كل أمر من أمور حياتنا .
ثانيا : من المعلوم لدى الجميع أن التربية بالقدوة هي أساس التربية , وكما يقال حال رجل بألف رجل خير من مقال ألف رجل برجل , فبينت لنا سورة الفاتحة أنواع القدوات ( الحسنة والسيئة ) بقوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) القدوة الحسنة ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) القدوة السيئة , وحثنا على التزام طريق القدوة الحسنة من خلال قوله تعالى ( اهدنا الصراط المستقيم – صراط الذين أنعمت عليهم – غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
المطلب السابع : " صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين " (7)
أولا : القيم التربوية في الآية .
1- قيمة العلم وأهمية العمل بالعلم .
2- قيمة الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين .
ثانيا : الفوائد التربوية في الآية .
أولا : أرشدنا الله سبحانه في هذه السورة الكريمة إلى أهمية العلم , وليس العلم فقط وإنما العلم المقرون بالعمل , فالجهل يودي بصاحبه إلى الضلال , والعلم بلا عمل يقود صاحبه إلى التكبر والتجبر مما يجعله مستحقاً لغضب الله تعالى وسخطه , أما الناجون هم من ينعم الله عليهم بالعلم ويعملون بما يعلمون وهم المؤمنون حقا , فقد أرشدت سورة الفاتحة إلى هذه المعاني العظيمة من خلال الآيات التالية ( صراط الذين أنعمت عليهم ) وهم المؤمنون ( غير المغضوب عليهم ) وهم اليهود الذين لم يعملوا بما علموا ( ولا الضالين ) وهم النصارى الذي لم يهتدوا إلى العلم أصلا .
ثانيا : الولاء والبراء ركن من أركان العقيدة وشرط من شروط الإيمان , وهو من أعمال القوب ولكن تظهر مقتضايته على اللسان والجوارح , فيتوجب على المسلم أن يطلب العون من الله ليوفقه إلى الولاء للمؤمنين والبراء من الكافرين , وهذا ما نبهت إليه سورة الفاتحة من خلال الآيات التالية ( اهدنا الصراط المستقيم – صراط الذين أنعمت عليهم – غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
المطلب الثامن : ملخص الفوائد التربوية من سورة الفاتحة .
1- على الإنسان المسلم أن يبدأ كلّ أموره باسم الله تعالى .
2- تحقيق العبودية لله تعالى ( رب العالمين – إياك نعبد وإياك نستعين).
3- التوحيد الخالص لله تعالى بجميع أنواعه : توحيد الله بأفعاله , وتوحيد الله بأسمائه وصفاته , وتوحيد الله بأفعال العباد . ( الحمد لله رب العالمين – الرحمن الرحيم – مالك يوم الدين ) .
4- تربية النفس على الإحسان والشكر على الجميل والحمد على النعم ( الحمد لله رب العالمين ) .
5- إحسان الظن بالله تعالى ( الرحمن الرحيم ) .
6- الحث على العدل والتخويف من الظلم وذلك بالتذكير بيوم الحساب ( مالك يوم الدين ) .
7- اعتبار الجزاء ركنا هاما في العملية التربوية ( مالك يوم الدين ) .
8- التأكيد على الهوية الإسلامية , والانتماء للأمة الإسلامية .
9- الاهتمام باختيار الأصحاب والقرناء , كي يكونوا من أهل الصلاح لا من أهل الضلال ( صراط الذين أنعمت عليهم ) .
10- إنّ القسم الأول من السورة ( الحمدلله رب العالمين – الرحمن الرحيم – مالك يوم الدين ) يتضمن بيان الجانب النظري المعرفي في حياة المسلم , ثم جاءت الآية بعده ( إياك نعبد وإياك نستعين ) لتبين الجانب العملي التطبيقي في حياة الإنسان المسلم , ثم وضحت السورة كيفية الربط بين الجانب النظري والجانب العملي من خلال الاستعانة بالله تعالى والالتجاء إليه بالدعاء ( اهدنا الصراط المستقيم).
11- تجنب التلقين الصوري النظري فقط بل يجب ربطه بالجانب العملي أيضا .
12- محاربة التشبه بالكفار .
13- من ثمار التواضع بناء علاقات اجتماعية مميزة , وسعادة في التعامل مع الأهل في المنزل , ويؤلف القلوب ويزيد المحبة , كما يورث حسن التعامل مع الطلاب والاهتمام بهم .
14- على الإنسان المسلم أن لا يقنط من رحمة الله فهو أرحم الراحمين .
15- الاستعداد ليوم الدين .
16- على الإنسان المسلم أن يطلب الهداية من الله تعالى بكل المواقف التي يمر بها .
17- على الإنسان المسلم أن يحرص على طلب العلم , ويحرص على العمل بما علم , أي علينا أن نعبد الله على بصيرة .
المبحث الرابع : الأساليب التربوية في سورة الفاتحة .
إنّ للأسلوب في العملية التربوية أهمية بالغة , فلا يمكن لأي عمل تربوي أن يترجم عن ذاته ويحقق أهدافه دون أسلوب يعرضه أو وسيلة تمكنه من التجسّد في سلوك الأفراد . فما هي أهم الأساليب التربوية التي تضمنتها سورة الفاتحة ؟
1- أسلوب الترغيب والترهيب :
أسلوب الترغيب والترهيب أسلوب بالغ الأهمية في التربية ؛ لأن النفس مفطورة على حب الخير والخوف من الشر , فهي تتوق للنجاح واللذة , وتخاف من الفشل والعواقب السيئة , وبعض النفوس ينفع معها الترغيب , وبعضها لا يقومها إلا الترهيب , وهذا الأسلوب لا يمكن للمربي أن يتخلى عنه في أي مرحلة من مراحل عمله مع المتربي , وقد تضمنت سورة الفاتحة هذا الأسلوب بأكثر من موضع , فقول الله تعالى ( رب العالمين ) فيه ترهيب من قدرة الله وعظمته , وقوله بعدها ( الرحمن الرحيم ) فيه ترغيب برحمة الله وعفوه وكرمه .
2- أسلوب ضرب الامثال :
إنّ ضرب الأمثال أدعى للإقناع , وأقرب للفهم من الشرح المسترسل , وقد جاء هذا الأسلوب من خلال الحديث عن الأقوام المنعم عليهم والأقوام المغضوب عليهم والأقوام الضالة وذلك في قوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
3- أسلوب القدوة :
إن لسان الحال أفضل من لسان المقال , فإنك مهما تتكلم عن الخير وفضائله فإن المتربي لا يمكن أن يستجيب إن لم ير العمل موافقا للقول . فأسلوب القدوة من أهم أساليب التربية التي أشارت إليها سورة الفاتحة في قول الله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم ) .
4- أسلوب ذكر الشيء ونقيضه :
وبضدها تتميز الأشياء , إن من أروع الأساليب التربوية وأكثرها نفعا أسلوب ذكر الشيء وذكر نقيضه فيتوضح الأمر المراد بشكل لا لبس فيه , ويغني عن كثير من الشرح , وقد وجدنا هذا الأسلوب في سورة الفاتحة عندما ذكر الله تعالى ( الذين أنعمت عليهم ) وذكر ضدهم ( المغضوب عليهم ) و ( الضالين ) .
5- أسلوب التأكيد والتكرار .
لا شك أنّ أسلوب التكرار والتأكيد على المعلومة يفيد في تثبيتها وحفظها والمداومة عليها , وهو أسلوب ضروري وهام في العملية التربوية , وقد بينت السورة هذا الأسلوب بتكرار قول الله تعالى ( الرحمن الرحيم ) وبالتأكيد على الصراط المستقيم .
6- أدب الطلب .
إنّ من حسن الخلق الأدب في الطلب والأدب في التعامل , ومن أدب الطلب أنّ تقدم بعض المقدمات قبل الطلب , فمع الله تعالى لا بد من تقديم الحمد لله , وتقديم الاعتراف بفضل الله تعالى على نعمه قبل الدعاء , فقد بدأت السورة بالحمد لله رب العالمين , وذكرت الرحمة , ونبهت على التوحيد , وعرّفت بالإيمان , ثم جاء بعدها الدعاء والإلحاح بالدعاء , وهذا كلّه مظنة الاستجابة .
7- أسلوب الثواب والعقاب .
إنّ من أهم المحفزات في العملية التربوية , ومن دواعي العدل في التعامل مع المتربين , استخدام أسلوب الثواب والعقاب , فيكافأ المجد والناجح , ويعاقب المسيء , وقد أشارت سورة الفاتحة إلى ذلك في قوله تعالى ( صراط الذين أنعمت عليهم , غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
8- تنوع الأساليب التربوية :
إن الروتين ممل للنفس , وقاتل للإبداع , وإن التغيير والتنويع يجدد الطاقات , ويرفع الهمم , ويثير العواطف , وقد لا حظنا في هذه السورة الصغيرة ذات السبع آيات استخدام أساليب تربوية كثيرة , من الترغيب والترهيب إلى القصة إلى القدوة وغيرها .
الخاتمة : إن الله تعالى لم ينزل القرآن الكريم لكي يوضع على الرفوف , ولا ليتغنى به في المناسبات , ولا ليمرر على اللسان مرور الكرام , بل أنزله سبحانه وتعالى منهج حياة , ودستور دولة , لذلك عند قراءة كل آية يجب علينا أن نسأل أنفسنا سؤالين :
الأول : ماذا يريد الله منّا في هذه الآية ؟
الثاني : كيف أحقق ما يريده الله في هذه الآية ؟
وبهذه الدراسة اليسيرة لسورة الفاتحة نجد أنفسنا أمام كنز من القيم والأساليب والفوائد التربوية التي تعين الإنسان المسلم في حياته اليومية وتوصله إلى الطريق الصحيح .
الآية القيمة الفائدة التربوية
بسم الله الرحمن الرحيم 1- الابتداء باسم الله تعالى
2- الرحمة 1- على المسلم أن يبدأ كل أموره باسم الله تعالى .
2- إحسان الظن بالله تعالى .
3- التعامب برحمة مع جميع المخلوقات .
الحمدلله رب العالمين 1- الحمد
2- الأدب مع الله
3- الطمأنينة 1- تحقيق العبودية لله تعالى .
2- التوحيد الخالص لله تعالى .تربية النفس على الحمد على النعم , وعلى الإحسان والشكر على الجميل .
الرحمن الرحيم 1- تكرار الرحمة والتأكيد عليها 1- استخدام أسلوب التكرار في العملية التربوية .
2- الاهتمام بقيمة الرحمة .
مالك يوم الدين 1- العدل
2- الرقابة الذاتية
3- الإيمان 1- الحث على العدل , والتخويف من الظلم .
2- الاستعداد ليوم الحساب .
3- أسلوب الثواب والعقاب من أهم أركان العملية التربوية .
إيّاك نعبد وإيّاك نستعين 1- الإخلاص
2- التواضع
3- التوكل
4- التوحيد
5- الهوية والانتماء 1- الإخلاص في كل ما يقوم له الإنسان المسلم .
2- التأدب مع الله أولا , والتأدب مع أهل العلم والفضل ثانيا .
3- التأكيد على الهوية الإسلامية , والانتماء للأمة .
اهدنا الصراط المستقيم 1- الدعاء
2- القدوة الحسنة 1- الانتباه لأهمية الدعاء في حياة الإنسان المسلم .
2- ضرورة وجود قدوة ومرجعية يقتدي بها المسلم .
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين 1- العلم والعمل به
2- الولاء للمؤمنين والبراء من المشركين 1- الاهتمام بالصحبة , واختيار الصبحة الصالحة .
2- محاربة التشبه بغير المسلمين بأي شكل من الأشكال .
3- تجنب الكلام النظري , والتلقين النظري , بل يجب ربط الجانب النظري بالجانب العملي .
4- التأكيد على أهمية العلم والعمل به .
الحمد لله ربّ العالمين
ما شاء الله تبارك الله
ردحذففتح الله عليكم يا شيخنا
ردحذفمبحث قوي ومحكم
ردحذفنسأل الله أن يفتح علينا
ردحذف